من أهم أسباب الحرب طلب روسيا من حلف الناتو عدم التمدد نحو شرق أوروبا، وعدم انضمام بعض الدول إليه وخاصة المجاورة لها حفاظاً على أمنها القومي وحرصاً على عدم تأجيج أي صراع مع الدول الغربية، إلا أن الحكومة الأوكرانية الحالية المدعومة والموالية للغرب تم التغرير بها من باب مساعدتها حين أقنعتها الدول الغربية بأن الوقت حان لاسترداد الأراضي التي استولت عليها روسيا في القرم وشرق البلاد عام 2014، وأنه إذا استمر تقادم الموضوع وبردت الأحداث فسوف تضيع هذه الأراضي إلى الأبد، ويعد الشعب الأوكراني هو الضحية بين كل الأطراف المشاركة في الحرب الحالية والتي تحقق مكاسب ضمن عقيدة أن الحرب هي (أم الخيرات) للبعض رغم أنها (أم الشرور) للبعض الآخر.
ومن أهداف هذه الحرب من جانب روسيا هو إزالة النزعة النازية من أوكرانيا وملاحقة المتطرفين النازيين ونزع أسلحتهم ومعاقبتهم بالسجن أو حتى الإعدام وتطلق عليهم (النازيون الجدد)، ومهما كانت المبررات فإن السياسة الروسية ترى أن أوكرانيا جزء رئيسي من روسيا ولا يجب أن تظهر فيها أي نزعات قومية مخالفة للتوجه القومي الروسي.
كما تقوم الادعاءات الغربية التي تقول إن روسيا تريد ابتلاع أوروبا أحد الأسباب غير الموضوعية لهذه الحرب والتي يستند بعضها إلى روايات قديمة لمفكرين غربيين، حيث كتب الأديب البريطاني «جورج أورويل» في عام 1948 رواية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية جاء فيها (إن قوى البر وتسمى «أوراسيا» ستنجح في ابتلاع أوروبا وتتشكل منها قوة آسيوية أوروبية تقف على حدود الجزر البريطانية وتهدد وجودها)، وتعد آراء جورج أورويل في روايته امتدادا لما بدأ منذ مطلع القرن العشرين من رسم خطط السيطرة على العالم والصراع بين قوى البر وقوى البحر، وهو موضوع شهير في الجغرافيا السياسية والجيوبوليبتيكا والاستراتيجية الدولية كما سبق الذكر عند الحديث عن نظريات قلب العالم.
إن روسيا عرفت عبر تاريخها بأنها قوة برية بالدرجة الأولى وليست قوة بحرية أو إمبراطورية الأساطيل، وبالتالي فهي قوة برية تزحف على اليابس زحفاً ثقيلاً مكتسحاً أشبه بالفيل الضخم الذي لا يغادر اليابسة بالمقارنة بالقوى الاستعمارية البحرية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وهما الدولتان الغربيتان الأكثر عداءً لروسيا في حربها ضد أوكرانيا واللتان تعملان على تأجيج الصراع وإطالة زمن الحرب بتقديم مختلف أنواع الأسلحة والعتاد والمرتزقة من أجل استنزاف روسيا وإضعافها. ومن مكتسبات وفوائد هذه الحرب ما يلي:
1 – يقوم الطرفان المتحاربان بتجريب أسلحة جديدة وإعادة تدوير تقنيات عسكرية قديمة، ويلوحان في ذات الوقت بحرب نووية محدودة الأثر تصيب بعض المدن دون غيرها، على نحو ما تلوح به روسيا بإبادة كييف إذا احتل ميزان الحرب لصالح الأوكرانية وتلقيها أسلحة متقدمة من الناتو.
2 – يدرب كلا الطرفين قواته في ميادين حية حقيقية وليس مناورات روتينية، وتقوم دول العالم النامي أو الثالث (البائسة) بمراقبة أحداث الحرب لعقد صفقة تسليح في المستقبل.
3 – تسعى الولايات المتحدة بكسب الحرب بإيقاع روسيا في استنزاف دون أن تخسر شيئا من أراضيها، حيث تقع بعيداً عنها بين المحيطين الهادي والأطلسي في منأى عن مسرح القتال المباشر وتكتفي بتأجيج الحرب والدعم بالأسلحة والمعدات والأموال والعقوبات والحملة الإعلامية المسعورة على حساب دماء الأوكرانيين والروس على أرض أوكرانية.
4 – حلف الناتو ودول غرب أوروبا التابعة والخاضعة للولايات المتحدة يعيدان تعزيز قواتهما بعد أن اختفى كل الأعداء المحتملين منذ تدمير أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا مقابل بقاء الدولة الصهيونية آمنة ومطمئنة في وسط عربي تعرض للتشرذم والاختلافات والصراعات الطائفية والمذهبية والقبلية والإقليمية ونشاط حركات الإسلام السياسي المدعومة من الغرب الأمر الذي يهدد بتفكك وتقسيم الوطن العربي.
5 – روسيا تكسب نصف أوكرانيا أو يزيد (القرم والشرق والجنوب الشرقي) وتترك نصفها أو أقل عديم الأهمية الاستراتيجية في الوسط والغرب كبقايا دولة محطمة، ورغم ما يبدو هذا كمكسب قريب إلا أن الخوف يكمن في تعزيز موقع الناتو مع بقية الدول الأعضاء في الحلف في شرق أوروبا، ولا سيما بولندا ودول البلطيق، وربما ضم فنلندا والسويد، وإذا حدث ذلك سيعقد الأزمة ويزيد التوتر والصدام مع روسيا التي حذرت من ذلك.