في الصومال التي يعاني شعبها الفقر والجوع والمرض وسطوة أمراء الحرب وزعامات تستحوذ على مقاطعات تديرها بعقلية العصور الوسطى ومن أشباه أعيان زج بهم في تحالفات عشائرية وبقيادة المحتل التركي والمال القطري، بدأ السباق الانتخابي في يناير 2021، ووفق قاعدة الانتخاب بنظام التقسيط، حتى وصل المسلسل مبتغاه حيث أدى أعضاء مجلس النواب بغرفتيه (مجلس الشعب والشيوخ) والبالغ عددهم 329 نائباً اليمين الدستورية أمام رئيس المحكمة العليا في منتصف أبريل 2022، وقد استغرق الانتخاب بنظام التقسيط البديع 16 شهراً.
وعلى غرار الصومال فإن دولة ليبيا الشمال أفريقية التي أنهك شعبها ودمرت إمكانياتها ونهبت أموالها واستباح الأتراك والطليان والمرتزقة ثراها وتصدر المشهد أوباش تحاشوا حتى الفخر بمقاومة الليبيين لفرسان القديس يوحنا والإسبان والاحتلال التركي والغزو الإيطالي، وتجاهلوا أمجاد إجلاء القواعد الإنجليزية وأيضا الأمريكية وطرد بقايا الفاشست الطليان، وطوال 11 عامًا فقدت ليبيا الجاه والثروة والأمن والدور العربي والإقليمي والدولي.
وبوصول دبيبة إلى مقاليد السلطة بحقائب المال المنهوب من قوت الليبيين وشراء الذمم وألاعيب المخابرات، وبمساندة المحتل التركي والحقد القطري والتواطؤ الدولي، ومباركة الزنديق الضال، والتفاف عتاه الإجرام وخريجي السجون يعلن الدبيبة في حضور عقول جوفاء عن الانتخابات في ليبيا على شكل (مفاجأة)، وكل أسبوع انتخابات في دائرة أو مدينة وليس هناك ما يحول دون استمرار الانتخابات لشهور في تطابق مع نهج الانتخاب بنظام التقسيط، مقتديا بالتجربة الصومالية أو مجبراً على اتباعها، مع إلغاء دور المؤسسة التشريعية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقضاء، في سذاجة وسطحية لم يعرفها العالم.
في لبنان والعراق ظهر هناك قدر من التشابه، إيجابياً الحراك المنبثق عن التظاهرات الاحتجاجية (ثورة 17 أكتوبر) في لبنان استحوذ على 12 مقعدا، وحراك تظاهرات الساحات والميادين في العراق (ثورة 1 أكتوبر) حقق اختراقا مهما عبر (امتداد، إشراق، الجبل الجديد، المستقلين، بعدد يقارب 70 نائبا) ولكن في كلا البلدين لا يشكل ذلك أكثر من ضوء باهت في نهاية النفق، ففي لبنان أمراء الحرب الأهلية، والموالون للخارج حافظوا على تواجدهم في المشهد مع اختلاف وتفاوت التمثيل في البرلمان، وتمكن كل طرف أن يكون الثلث المعطل، مما يحول دون حكومة أغلبية قادرة على إدارة البلد ويجبر الجميع على حكومة توافقية تقوم على المحاصصة وتضيع حوائج الناس ومطالبهم أمام مصالح فئوية وحزبية ضيقة.
وفي العراق فشلت القوى الداعية لتجاوز المكونات المذهبية في الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة تحت شعار حكومة أغلبية وطنية بالرغم من اقترابها من تجميع الحد الأدنى المطلوب من الأصوات، لكن الإطار التنسيقي الخاسر الأكبر في الانتخابات والمهيمن على الساحة منذ العام 2005م لم يقبل الهزيمة وأصر على المشاركة من خلال حكومة يشكلها الرابحون والخاسرون ويدعم هذا التوجه الجارة إيران وجيش من الإعلاميين والنشطاء وأموال مخصصة لشراء الذمم، واغتيالات لزعامات مناهضة للتدخل الأجنبي.
ورغم أن هذه الجماعات وميليشياتها تتحرك وفق المشروع الإيراني إلا أن التناغم مع نهج حزب الله في لبنان قادهم إلى تبني نظرية الثلث المعطل، ولكن تحت مسمى الثلث الضامن، والخلاصة تقوم في كلا البلدين على إجبار الأغلبية الوطنية على القبول بالتوافقية، وكل ذلك يحدث في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية اللبنانية وفقدان العملة المحلية لأكثر من 90 بالمئة من قيمتها، ووضع شبيه في العراق حيث ساعات انقطاع الكهرباء تصل إلى 20 ساعة يوميا، وتدنٍ في احتياجات المياه وارتفاع حاد في البطالة، وينكر أشباه الساسة في ليبيا والعراق ما كانت تنعم به هاتان الدولتان وشوق الناس إلى تلك الأيام، ويطبلون للديمقراطيات الزائفة التي صنعت خارج الحدود وعبر أمراء الحروب والميليشيات والعملاء والتي هي مجرد ديمقراطيات وهم، مثلما هناك حكومات وهم في السودان واليمن، والقادم صادم ما لم يستيقظ العرب.