ليس هناك إنسان عاقل يؤيد الحرب أو يدعو لها، ولم تكن الحرب يوماً إلاً سبباً للخراب والدمار والشقاق، وما تتركه من خسائر فادحة على طرفيها أكثر بكثير مما يجنيه أحد طرفيها من أرباح، ومهما بلغت أرباح الطرف المنتصر في الحرب فهي لن تردم الخندق العميق من العداء الذي سببته الحرب بين طرفيها.
الحرب قد تحدث عندما يغيب العقل وتقفل أبواب الحوار ويعلو صوت السلاح، وتباشرها الجماعات والدول لحل بعض النزاعات التي قد تكون صغيرة قبل الحرب، ولكنها تكبر وتتعمق بعدها بما يترتب عنها من نتائج مؤلمة لطرفيها.
وعندما تندلع الحرب يصبح الحديث عن السلام نوعاً من الترف، والتعايش يكون في خطر، والاستقرار يشبه قصص الخيال العلمي، ورغم الفظاعات التي تخلّفها الحروب إلا أنها تعكس حالة الاختلال في النظام العالمي والإقليمي وحتى الوطني الذي يقوم على منهج القوة في العلاقات بين الشعوب والجماعات.
وعلى الرغم من ذلك قد تصبح الحرب واجبة وضرورية في حالات محددة عندما تكون في مواجهة عدوان خارجي ودفاعاً عن الأرض والعرض أو مقاومة للاحتلال، نذهب إلى الحرب عندما تغلق كل الأبواب السياسية والدبلوماسية ونحن مكرهون.
استمرار الحروب كأداة من أدوات السياسة الخارجية يعكس أن البشرية لم تتخلص من السلوك الوحشي الذي ساد الحضارة الإنسانية وحكم العلاقات الدولية، وهي تتحول لبناء نظام عالمي عقب الحرب العالمية الثانية يؤسس لعلاقات دولية يقوم على تجريم وتحريم الحروب ويدين الحقب الاستعمارية والإمبريالية التي كانت سبباً في الحرب العالمية الثانية وما سبقها من حروب عالمية وإقليمية، الإرث الثقافي والقانوني والفقهي الذي يساهم بشكل كبير في تشكيل الوعي الفردي والجمعي لا يساهم في بناء عالم يقوم على السلام والتوازن في العلاقات الدولية، وربط هذا الإرث الثقافي بنصوص دينية وربطها بالمشاريع الاستعمارية والإمبريالية التوسيعية يغدي الاستمرار في تبني منهج الحرب والصدام وينتج أجيالا اقتاتت على هذا التراث الذي تراكم على مدى قرون يغلب الأخذ بنظرية القوة في العلاقات الدولية.
تلك مقدمة تفسيرية ربما تبّين بعض الأسباب للحرب رغم مكروهيتها ورغم النتائج المؤلمة والفظيعة التي تتركها والتي ندعو للتخلص منها ببناء نظام عالمي يسد كل البوابات المفتوحة على الحروب ويبشر بعلاقات دولية تقوم على التعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب، هذه تظل أماني ونحن نصحو ونبات على أخبار الحرب في أكثر من مكان في العالم منها الدولية ومنها الأهلية، وما يشغل العالم ويشغلنا هذه الأيام هي الحرب العالمية التي تجري في أوكرانيا، وعالمية ليس فقط بعدد الدول المنخرطة فيها، ولكن بالوسائل المستخدمة فيها والتي لم تستثن حتى الدواء والغذاء، أما الحرب التي تجري اليوم في أوكرانيا ورغم إدانتنا لها ولكل السياسات التي كانت الفتيل الذي أوقد نارها والتي لا نرى مساعي لإطفائها قبل أن تأتي على الأخضر واليابس فهي نتيجة نظام عالمي ظالم وعدواني وسلوك أكثر عدوانية.
روسيا دُفعت دفعاً لها ودخلتها مكرهة وليس أمامها من خيارات أخرى حيث لا يمكن لها أن تنكمش أكثر من ذلك ولا يمكنها أن تسكت أمام تمدد الآخرين، وقد اندلعت الحرب ودخلتها روسيا وهي موقنة بتحقيق أهدافها في الدفاع عن وجودها وإقامة نظام عالمي جديد لا تقوده أمريكا منفردة، لا ينبغي لها أن تتراجع في ذلك لأن العودة عن المضي في خوض الحرب حتى تحقيق هدفها يعني نهاية وجودية لها وانتصارا للنظام الذي سمح لأمريكا بغزو بلدان العالم وتغيير نظمها المحلية بحجج ومبررات ثبت كذبها وزورها باعتراف قادتها، ومن هذا المنطلق الأخلاقي نؤيد الحرب التي تخوضها روسيا، وهي في مثل هذا الوضع عادلة وضرورية، نحن نؤيد الحرب التي ستوقف الحرب ونؤيد مقاومة تفرد أمريكا بالنظام الدولي واستخدامه لتحقيق مصالحها والتي تتصادم وتتعارض مع مصالح سكان المعمورة، وندعو لبناء نظام يتيح التساوي بين الشعوب والبلدان، وإذا كان ذلك غير ممكن إلا بالحرب حينها تصبح الحرب هي العلاج (علاج الداء بالداء) وهي مشروعة لإنقاذ الحياة البشرية أمام نهم الرأسمالية المتوحشة.