كانت هناك ترتيبات تجرى على قدم وساق، وسباق محموم نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكان هناك توافق تام وإجماع كامل سواء المتنفذون الدوليون الذين يحرصون على مصالحنا وإرادة الشعب الليبي الذي انتظم في طوابير للمشاركة في الانتخابات والمشهد العام كان ديمقراطياً لا تعليق عليه، الجميع أشاد بنسبة المشاركة التي تجاوزت المليونين ونصف المليون من الشعب الليبي.
تصريحات السياسيين والإعلاميين وكل وسائل التواصل كانت تؤيد ما يتم من إجراءات وكذلك البعثة الأممية التي تشرف وتتابع ما يجري، لا ملاحظات سلبية على ذلك الجهد، وكان كل الحديث ينصب عن الشعب الليبي وإرادته وتمكينه من ممارسة حقه والشعب مصدر السلطات والكثير من التصريحات الناعمة، لكن الحقيقة سرعان ما ظهرت وصم الجميع وأبكمت فرسان الكلام عندما ظهر مسؤول المفوضية العليا للانتخابات وصرح بأن القوة القاهرة هي التي حالت دون تمكنه من إعلان أسماء المترشحين بعدما بث القضاء الليبي النزيه قراره في إعادة بعض المترشحين إلى قائمة الترشح بعد ماراثون من الأخذ والرد والاعتراض والطعن وغيرها من المناكفات، في النهاية ينحاز القضاء للعدالة ويصدر حكمه بإعادة الدكتور سيف الإسلام إلى قائمة المترشحين للرئاسة، لكن هذا الحكم سرعان ما كشف حقيقة من يحكم في ليبيا وكل ما قيل حول النزاهة، ووجوب الانتخابات والشعب الليبي يختار من يحكمه ويختار من ينوبه في مجلس النواب، كل ذلك في مهب الريح سكت الجميع وبلع الغربيون ألسنتهم وانتهى الغزل حول الديمقراطية، حيث تجمعوا في معسكرهم المتشدد مع الإسلام السياسي الرافض لكل الحلول والتسويات التي يتوافق حولها الأغلبية ولا يقبلون أي رأي يخالفهم، تارة يبرزون فتاويهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتارة يتجولون بمدافعهم في مدينة طرابلس وينشرون الرعب والخوف بين الناس.
عندما نتحدث عن الإسلام السياسي حصراً نقصد عصابة الإخوان المسلمين والليبية المقاتلة وأذرعتهم داعش وأنصار الشريعة وغيرهم من الميليشيات الإسلاماوية المتطرفة، حلفاء اليمين المسيحي المتطرف الذي أراد أن يمكنهم من السلطة في العالم الإسلامي بداية بالوطن العربي ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت وبصراحة في كتابها «خيارات صعبة» إنهم على اتفاق على تسليم السلطة في مصر للإخوان المسلمين وكانت كل الترتيبات جاهزة إلى أن حصلت المفاجأة غير المتوقعة وهي الثورة الشعبية المضادة.
الإسلام السياسي لا عهد له ولا ذمة ولا ميثاق وينكثون العهود ولا علاقة لهم بالدين الحقيقي، بل يستخدمونه فقط غطاء لأفعالهم، والأمثلة كثيرة بداية بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر حيث غدروا به وحاولوا اغتياله في حادثة المنشية في العام 1954، ومن بعده السادات الذي أخرجهم من السجون وتحالف معهم، وفي أول فرصة سانحة غدروا به واغتالوه أمام كاميرات كل الدنيا.
الإسلام السياسي لا يمكن الوثوق بهم سواء في التكتيك أو الاستراتيجيا، إنهم خونة مارقون لا يمكن أن يكونوا حلفاء، هم جماعة لنفسهم وينظرون للآخر كعدو مهما كان طول لحيته أو ركعاته، الإخوان المسلمين عندهم مبدأ الجماعة ولا يخرجون عنها وغيرها أعداء، لا يؤمنون بالوطن الذي نعرفه، الوطن عندهم الجماعة الإخوانية وهذا مبدأهم، وليس بالضرورة أن يتفقوا في الشكل، بمعنى اللحية أو الإزار أو غيرها ما يميزهم عن غيرهم فهم يتخذون مبدأ الشيعة وهو التقية، أي عند مخافة الخطر يمكن أن يظهر عكس ما يبطن مثلاً كعوان غير ملتحٍ وعضو أساسي ومهم في الإخوان المسلمين والإعلامي أحمد منصور إخواني وغير ملتحٍ، الإسلام السياسي الأمريكي تطور وأخذ أبعاداً وأشكالاً مختلفة تناقض المبدأ العقدي.
الإخوان المسلمين والليبية المقاتلة في ليبيا دخلوا في حوار مع النظام وكان برعاية سيف الإسلام معمر القذافي انتهى الحوار إلى مراجعات، كان عرابه أحد الزعماء الحاليين للإخوان المسلمين علي الصلابي، صدر عن الجماعة كتاب عنوانه «دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس» مراجعة لأفكارهم والعدول عنها، لكن ذلك كان للأسف عبارة عن تقية بمفهومهم العقدي، أطلق سراحهم بناء على هذه المراجعات وعلى رأسهم زعيمهم عبدالحكيم بالحاج ورفاقه، وأياماً فقط التحقوا بالدوائر الغربية وإشعال الفوضى والمشاركة الفعالة في أحداث فبراير، والجميع تابع اتصالات السفير الإنجليزي اليهودي هنري ليفي وتأييد الغرب للجريمة، ها نحن الآن بعد إحدى عشرة سنة والحال يزداد سوءا وتكبلت البلاد بجملة من القرارات رفعها يساوي البلاد، ولا يزال الخونة والعملاء يرتعون ويمرحون ولا يعنيهم الوطن.
كل من يستغل الدين اليوم ليحكم فهو عميل وخائن، كل من تعامل من الأجنبي المحتل للبلد فهو خائن، كل من يتحدث برفع الشعارات الغربية فهو مزور وعميل وخائن، الوطن لا تستعيده لجان الأمم المتحدة ولا تستعيده إرادة ضعيفة ولا المؤتمرات الوهمية ولا السفريات المكوكية، ولا الحكومات الناعمة، الاحتلال تقتلعه المقاومة فقط ولا سبيل غيرها، كل من تحالف مع العدو عدو، وبعد إحدى عشرة سنة الآن حصحص الحق وعاد الوطنيون وتصالحوا مع أنفسهم والشعب، ووجب الانطلاق، والموت الإيجابي أفضل من الموت السلبي، الموت عند مقاومة العدو جهاد، وهذا الموت الإيجابي وغيره موت سلبي، اللامبالاة والحياد هذا يساعد العدو، العدو تواجهه كل القوى الوطنية، ومن وقف في الحياد لصالح العدو ويعني وقفت معه وأثناء المواجهة مع العدو كل قوى محايدة أو سلبية لم تواجهه تعني الاصطفاف مع العدو، المعركة حامية الوطيس وعلينا أن نقدر موقفنا، والمعركة ليست أسماء وإنما وطن أن ينتصر.