الدعوة الكاذبة للدولة المدنية ورفض حكم العسكر كلمة يراد بها باطل، خاصة في ليبيا، حيث تطرح هذه الدعوة من متعسكرين الذين هم مجموعات مسلحة مرتبطة بمنظومة عسكرية بالخارج!
الحكم العسكري ينشأ في حالتين، أهمهما سيطرة دولة على دولة أخرى بالقوة وإدارتها بواسطة حاكم عسكري من المحتل، والثانية سيطرة عسكريين على الحكم وإدارة الدولة بأحكام عسكرية بواسطة القيادة العسكرية.
النموذج الأول واضح في عصرنا حكم بريمر للعراق، والسفير كريس ومن بعده ديبورا وستيفاني لليبيا، أما النموذج الثاني فطبق نهاية القرن الماضي في أمريكا الجنوبية أثناء مرحلة الحكومات العسكرية التي نصبتها السي اي ايه فيها والتي اختتمت ربما بحكم بينوشيه لتشيلي.
المشكلة في ليبيا تكمن في سطوة مجموعات مسلحة غير منضبطة ضعيفة التدريب والإعداد، والتي تقاد عادة من مراهقين وأشخاص مؤدلجين وترتبط مباشرة بأجهزة استخباراتية أجنبية تؤمن لها الحماية والتسليح والتمويل.
لننظر في المثل الليبي، ولنطرح أسئلة قد تقربنا لفهم الصورة كما هي وليس كما يريده الأعداء، كيف تمكّن أشخاص بدون خبرة ولا خلفية عسكرية ولا حاضنة اجتماعية من امتلاك هذه القوة في العاصمة ونجحوا في الاستمرار والسيطرة رغم تبدل الحكومات الصورية؟ ما مؤهلات التاجوري، وغنيوة، وبوراس، ومحمود حمزة، وقدور، وكارة، وقوجيل، وبشير البقرة، وغيرهم، ليتمكنوا من الحفاظ على سطوتهم في طرابلس؟ رغم ممارساتهم الوحشية وصراعاتهم الدموية!
للنظر في مشهد استقبال السراج الذي حكم طرابلس لأكثر من ست سنوات رغم رفض المؤسسات الليبية لسلطته التي اقتصرت على المدينة ومحيطها الضيق، وكيف أمّن دبيبة سلطته فيها رغم انتهاء ولايته غير الشرعية أصلا؟
باشاغا شكل حكومة حظيت بموافقة مجلسي النواب والدولة، ودعم الجيش في الشرق وميليشيات كبيرة في الغرب وبعد خمسة أشهر من تشكيلها منع باشاغا وحكومته من دخول طرابلس ونشبت حرب بأسلحة ثقيلة حتى غادرها على عجل، جويلي أيضا عزل من عمله ومنع من دخول طرابلس!! من الغرائب أن باشاغا وجويلي وعثمان عبدالجليل المبعدين بقوة الميليشيات هم أنفسهم قادة ما سمى ببركان الغضب، العملية العسكرية التي دعمها الغرب لمنع الجيش من دخول طرابلس بذريعة حماية الدولة المدنية!!
السؤال الأكثر جرأة من يدير هؤلاء، يأمرهم لخوض الحرب ويفرض عليهم توقفها؟ هل نصدق أن غنيوة وحده يمتلك القدرة على اتخاذ قرار الهجوم على نواصي قدور وطرد باشاغا من طرابلس؟ ولماذا لم نستمع إلى ردود أفعال دولية جادة لمنع عبث الميليشيات بالعاصمة؟
بالنسبة لي الإجابة عن هذه التساؤلات تبين حقيقة لا يمكن حجبها، وهي أن بلادنا محتلة ومحكومة عسكريا من قبل سفراء أمريكا وبريطانيا، وتديرها بواسطة تلك المجموعات المسلحة التي تؤمر من قبلها.