تعود بنا الحرب الدائرة حالياً بين روسيا وأوكرانيا في هذا الجزء من العالم، والتي بدأت في 24 فبراير 2022 إلى استعراض آراء نظريات قلب العالم والتي ظهرت منذ مطلع القرن العشرين والتي حملت في طياتها مفتاح السيطرة على العالم، لقد سبق التدخل الروسي حشد عسكري كبير استمر لعدة أسابيع أعقبه الاعتراف بجمهوريتي «دونيتسك» الشعبية، و»لوغانسك» الشعبية من جانب روسيا، تلا ذلك دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة «دونباس» شرقي أوكرانيا، ثم أعلن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) عن عملية عسكرية خاصة حدد أهدافها بتجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها.
تعود نظرية قلب العالم إلى عالم الجغرافيا السياسية الإنجليزي «هالفورد جون ما كندر» أحد مؤسسي علم العلاقات الدولية، على أساس المواقع الجغرافية لمختلف البلدان، وقد ظهر أول بحث له عن هذا الموضوع عام 1904 وقد قدم «ما كندر» مفهوم قلب العالم ليفسر للإمبراطورية البريطانية آنذاك الحاجة إلى معالجة التوسع الروسي باتجاه الخليج العربي أو ما يعرف بالخليج الفارسي أحياناً، وفي وقت كانت فيه روسيا تغزو بقوة نظام القوة البرية الممثلة من طرف الإمبراطورية البريطانية، ويرى «ما كندر» أن الإنسان لا يستطيع العيش بلا قلب كذلك العالم، ولكن السيطرة على القلب ستكون الأساس للسيطرة على دول العالم، ونظراً الى أنه كان ينظر إلى قلب اليابسة كقامة حصينة، ويرى أن باب هذه القلعة يوجد في شرق أوروبا فقد خرج بنظريته المشهورة التي تنص على: «أن من يسيطر على شرق أوروبا يتحكم في قلب اليابس، ومن يسيطر على قلب اليابس يتحكم في جزيرة العالم، ومن يسيطر على جزيرة العالم يتحكم في العالم كله»، ومن رأي «ما كندر» أن الدول التي تستطيع السيطرة على أوراسيا وأفريقيا أو كما يسميها «جزيرة العالم» تكون في مركز يمكنها من السيطرة على العالم، أي أنها تسيطر على ثلاثة أرباع سطح الأرض، ومن رأي ما كندر أيضا أن السيطرة على أوراسيا وأفريقيا لا تكون ممكنة إلا لدولة تحتل قلب أوراسيا وتعيش في منطقة السهل المحمية التي تمتد من البرزخ الواقع بين البحر البلطي من جهة وبين البحر الأسود من جهة أخرى، وذلك لمسافة 2500 ميل نحو الشرق حتى نهر ينسي، كما تمتد من المحيط المتجمد الشمالي نحو الجنوب حتى الحاجز الجبلي الذي يمتد من تركيا حتى منغوليا.
لقد أعاد «ما كندر» صياغة أفكاره عن نظرية قلب العالم في عام 1943 وتلخص ذلك في توسيع قلب العالم بحيث أصبح هناك قلبان (شمالي وجنوبي)، وما يربط بين القلبين هي المنطقة العربية حيث صورها بأنها منطقة ارتكاز أخرى ولو أنها حسب رأيه أقل أهمية، ويتكون القلب الجنوبي من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وصولاً إلى أنهار النيجر والكونغو والزمبيزي واللمبوبو.
وقد شكلت نظرية ما كندر البوصلة بالنسبة للسياسات الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت في عام 1918، وللاستراتيجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945، وبعد «ما كندر» جاء «هوسهوفر» عام 1908 والذي زاول مهمة تدريس الجغرافيا في جامعة ميونخ قبل الحرب العالمية الأولى وترقى إلى رتبة قائد في الجيش الألماني، واستفاد هتلر من معهد هوسهوفر من خلال سياسته التوسعية التي نفذها، ومن آرائه السياسية أنه يتفق مع الجغرافي الألماني» راتزل» في أن المحيط الهادي له أهمية استراتيجية كبيرة وأنه منطقة من مناطق السيطرة، ومن يسيطر عليه يمكنه السيطرة على العالم ككل، وجاءت نظريته ضمن النظريات التي اعتمدت على السيطرة البحرية بخلاف نظرية «ما كندر» البرية