ذاك الذي كان
أن تكون أحلامك على مقربة غير أن تكون بعيدة الاحتمال، الكل يرنو لتحقيق حلم يراه جميلا يسعى في سبيله بالإرادة التي تدعمها الرغبة الحقيقية الجامحة، كل الذين دلقوا أمامنا أحلامهم قبل عشر سنوات نراهم اليوم قد نسوا علاوة على المنابر التي تحدثوا عنها حتى تلك الكلمات التي ضحكوا بها على البسطاء، وهي قبيل المرتب الباذخ والمول الكبير وأرغفة الخبز التي تترجل لوحدها إلى مائدة إفطار الليبيين كل صباح، تحدثوا عن التداول ولم يذكروا أنه تداول على ركوب ظهور الشعب بعد أن أعياه ضنك الحياة بين طوابير الغاز والوقود والسيولة التي لم يخطر غيابها على أحد، كانت متوفرة بيسر ولم يتصور أنها بفعل العشرية ستكون حلما بعد عين، وصار المواطن الذي كان ضحية أكاذيب دوغة يعض أصابعه، وقد طارت عصافير فرحه من مرتب بالدولار إلى فيزا بلا رصيد، صارت ملامسة أصابعه للأوراق النقدية بعد معاناة غير مسبوقة فرحة عارمة تجتمع فيها الأسرة على مائدة غير مسبوقة بعد أن كان ذلك أمرا سادرا في العادية بالزمن السابق الذي صار ينعت بالجميل حتى على ألسنة معارضيه.
لا جديد سعيد يطرق الأبواب وساسة وثوار الأمس الذين حرروا الوطن من حريته الحقيقية، يتصارعون في مشهد دراماتيكي اكتفى فيه الشعب الكريم بدور المتفرج، الشعب الذي استعمل كمادة خصبة وشعار فج، نعم صار مجرد ركح لما يحدث، السيادة التي لطالما ارتبطت باسمه وتم إسقاط النظام لأجلها لم يعد لها اليوم أي معنى، تم تصميم حوارات باسمه وخارج دياره من الصخيرات إلى تونس وبوزنيقة، ليتطور الأمر إلى ملتقى جنيف، ملتقى السيدة ستيفاني التي تغزلت إحدى عضواته بصفحتها ببراعتها وأنوثتها السياسية وتصفها بأنها الفذة، هي ذات السيدة التي كانت تبكي على السيادة المغتصبة زمن سبتمبر وتدعو الشعب لاستعادتها ولم تذكر لنا أنها في ذلك تقصد هيمنة الغرب بصلفه وتبجحه بالديمقراطية الغائبة عنا، ليحضرها لنا من خلال أشخاص طبيعيين قام بتعيينهم وفق الولاء والطاعة وبعضهم لأجل ذر الرماد في العيون الجاحظة.
كافة الأعياد الذي كنا نفرح لاقتراب موعدها صرنا نتمناها بعيدا كي لا ننكد على أطفالنا لعدم قدرتنا على شراء لوازمهم، صارت معاناتنا لا مثيل لها والمواطن يئن، بينما رجال الدين منقسمون بين دفع زكاته عينيا أو نقديا ليتم استدعاء الآراء والمذاهب دون أن يتذكر أحد راحة الوطن ومواطنته التي ذهبت، ولا ينسون أيضا أن يحرموا زيارة ضريح شيخ الشهداء ويحذروا من مغبة ذلك بإلباس تلك الوقفات الإيجابية ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ضف إلى ذلك تفرغ أهل المشهد السياسي للاصطفاف لغير صالح المواطن رغم تحدث الجميع باسمه العظيم والكريم، صار للسفراء الأجانب والمبعوثين دور مخالف لكل الاتفاقيات الدولية التي يدعوننا للامتثال لها، صار الغريب يتوسط الطاولة وعلى شماله ويمينه عزين من الليبيين يدعوهم لدعم الاستقرار في بلده وللحفاظ على مصرفهم المركزي وجيوبه التي بلا سيولة وعلى النفط الذي غباره هناك ورحيقه هنا، كلما تكتظ الشوارع بأنفاس المناسبات التي كانت سعيدة نرى الجميع بالكاد يحاول أن يتعرف عليها دون جدوى بعد أن غيرت نوائب الزمن ملامحها وذهبت الأحلام باستعادتها أدراج الرياح.