وداعا شيرين أبو عاقلة..
في هذه الأيام حينما أتجول بين المحطات يغشاني حزن سرمدي وأنا أرى مشاهد متنوعة عن وداع شيرين، لا يزال وداعها يتصدر المنصات والشاشات، وداع مبلل بالدموع، رأيت ندما وحزنا عميقين في حقها من زميل قريب وآخر بعيد قد لا يعرفها، في وداعها أي حروف عساها تكتب، كلما حاولت الهرب من مشاهد وداعها الأخير لا تطاوعني نفسي، أخاف أن يفوتني رثاء المودعين، أرجع متسللاً من صدمة عصية عن الوصف، فهل نبكيك حزنا أم نبكيك خجلاً، فلم يعد يتردد الحزن بزيادة اللوعة في قلبي، غصة ترافقنا عن الحزن الذي خيم على الجميع، لا أخفي عليكم ما قرأته من عبارات وما أعرفه من كلمات رثاء وصيغ تعبر عن الحزن سقطت مني ولم يسعفني منها شيء، سألت نفسي و ألححت بالسؤال لماذا أنا متأثر إلى حد البكاء؟ لو كنت من أقاربها يوجعني الدم الذي بيننا ولو كنت من أصدقائها فأتحسر على الأنس بها، ما الذي يبكيني إذن؟ مايبكيني هو المهابة والإجلال في النفس عندما تلمسهما في شخص، وقد كنت ألمس في شيرين الصفتين من تقاريرها وما تحتويه من رسائل ومضامين توصل من خلالها معاناة الشعب الفلسطيني..
تابعت لحظة بلحظة تشييع جثمانها، خروجاً من المستشفى مرورا بالبلدة القديمة ثم المقبرة حيث مثواها الأخير بجوار والديها، وها هي الطفلة الوديعة قد عادت إليهما بعد غياب، و كأن للرحيل آثار على الوجنتين والعينين تماماً كالزمن،‏ لا نبكيكِ فقط يا شيرين بل نبكي شهداء الأمس واليوم وغدا، نبكي بكِ أحزاننا الشخصية وأوطاننا المنكوبة كلها، نبكيكِ بحرقة لأننا نعرفك، و نعتذر ضمنا من الذين لم نعرفهم فلم نبكيهم كما يجب، شيرين رصدت الواقع بمآلاته وأحلام ساكنيه، فقد عظيم ومصاب جلل لرحيل ذاك الصوت الذي كان يعبر عن فلسطين، بدمها كتبت آخر تقارير لها من القدس، لكن ينقصه رنين نبرتها الهادئة الحزينة مختوما بدمعنا جميعا، رحل صوتها فأعرتها حنجرتي علّها تقرأ ولو لآخر مرة ما كتبت عنها أناملي.