مستمرون بالمقاومة الثقافية..
الكرامة الإنسانية تُقر بأنك لست مهزوما إذا كنت تقاوم ولو بالقلم والكلمة، ومن يقاوم ويصمد فسيجد له وطنا وعنوانا وهوية وسينصفه التاريخ وإن طال الزمن، والقيم الإنسانية هي التي تحدد وتحكم من هو المثقف، وما بين تضييق الخناق على الطبقة المثقفة للقضاء على الشخصية الوطنية ومحاولات السلطة لاحتوائها وتسخيرها لصالحها تأتي الحاجة الماسة إلى قيام رابطة ثقافية موحدة لدعم الثقافة والمثقفين والخروج بالثقافة من النخبة إلى العموم والسعي لتصبح الثقافة للجميع كعنصر فاعل للتبديل والتغيير بما يبعث إيماء وإشارة وبشارة تزرع في قلوب الناس الأمل وقبسا من التفاؤل وتقع عليها مسؤولية وضع الإستراتيجية اللازمة لإعادة التفكير الجماعي واتساع الأفق وإعادة البناء وفق القيم والمفاهيم الثقافية والحضارية التي تخدم قضايانا ومصالحنا وتنسجم مع أفكارنا وثقافتنا والتي طالها التهميش والتعتيم والهجران المتعمد وتكون قادرة على العمل ضمن ساحة ومساحة من الحرية تضمن لها الحد الأدنى من الديمومة والمهنية وتعطي الأولوية للدفاع عن شبابنا الفاقد للبوصلة نتيجة انسداد الأفق المستقبلي أمامه وإدماجه في الحياة السياسية وإقناعه بأن المبادئ أولى من المصالح وإن بناء الدول يقوم على الثقة والتنوع والعيش المشترك وليس على التعصب والانتماءات القبلية والجِهوية، مع الحرص على إحياء الفكرة وإيقاظ الأمة عبر حاضنة ثقافية تساعد في نشر الوعي وتعيد مخاطبة الرأي العام المحلي وتشعره بأهمية صلته بوطنه وإظهار قيمة كل فرد فيه من خلال انتمائه لشعبه وأمته، وبمقدار ما يقدمه من تضحيات وعطاء للوطن وليس لغيره وكما تروّج له بعض المنابر الإعلامية المسيطر عليها من طرف المال.
وبما أن الثقافة لا تقتصر على الكتاب لوحده بل لابد من خوض معارك الحياة فإن ما يحتاجه جيل اليوم هو تطوير الخطاب الإعلامي والثقافي بلغة العصر والتعرض لمستقبل هذا الجيل من خلال التصالح مع أدواته وتبني سياسة المواجهة بالثقافة والفكر ونشر ثقافة الانتماء والمواطنة كحالة حضارية وإنسانية تجسد مكونات الماضي والحاضر لتحقيق التقارب والالتقاء والاندماج بين الثقافات وقبول الاختلاف وليس الخلاف والعمل على بناء جيل جديد في تفكيره ومنهجه وإنسانيته والرفع من قدرته الفكرية والمهنية وصقل مواهبه ومقدرته على التدخل عند الضرورة لتغيير الواقع المعزول والمُغيّب عن الواقع الحقيقي وربطه بالهوية وبالحس الوطني ومنحه هامشا مناسبا من حرية التفكير والقدرة على اتخاذ القرار وحيزًا مماثلا للحلم والطموح وفق معطيات العصر ومتغيراته من خلال استخدام العقل العلمي والنقدي والتعلم من إخفاقات الحياة وإنجازاتها والاستفادة من تجارب الآخرين وأخطائهم والتعرف على واجباته وحقوقه المدنية بما يتيح له حرية الرأي وحرية المعتقد والتسامح الديني والتأسيس لثقافة المصالحة لتكون جزءا من الحداثة والتجديد والاعتراف بأن لكل عصر حداثات وإلا لتوقفت الحداثة منذ زمن بعيد.
استنهاض الجيل الجديد باعتباره رأسمال البلاد الاجتماعي الذي لا يحتمل الخسارة ولا يقبل الإقصاء والذي يتطلب قدرا كافيا من الإحاطة والرعاية وحظا وافرا من العناية والاهتمام لاسيما أمام ما يجري حولنا من تحديات وتحولات إستراتيجية كبرى ومدى انعكاساتها على مستقبل شبابنا وبلادنا والمنطقة وغرس روح الانتماء الحضاري وطنيا وثقافيا ودينيا ليكون الوعاء الحيوي لوعي الشباب وحصنا منيعا لهويته الوطنية من الاغتراب مع أهمية تحريره وتحصينه من آفات العصر ومن الموروثات الثقافية البالية من طقوس وعرافين وكهنة وكل أنواع السحر والشعوذة التي يحس الناس أمامها بالضعف والخوف والتي عادة ما تتداولها الشعوب والمجتمعات الفقيرة ثقافيا وتلحق الضرر والأذى بالآخرين عن طريق ممارسة السلوك السادي لدى البعض والترويج لهذا الفعل الغيبي والميتافيزيقي الذي يهدف إلى انحراف الشباب عن أهدافه وتخليه عند أداء رسالته المقدسة نحو الوطن واعتناق البدع والخرافات والدروشة التي لا يمكن تفسيرها علميا إلا في إطار الأمراض النفسية التي يستوجب علاجها ومحاربتها بالعلم والتوعية وضبط السلوك والممارسات الخاطئة والتخلص من الخوف من المجهول ببذل المزيد من الجد والجهد وليس بقراءة الفناجين.