الميناء اللوجستي كمدخل لتنويع الدخل في ليبيا

لم يبرز في الاقتصاد الليبي طوال العقود الماضية قطاع يقود النمو الاقتصادي ويتوافق والمقدرات المتاحة ويعكس هويته الحقيقية غير قطاع النفط، الذي ظل القطاع المهيمن كمصدر للدخل والسلعة الرئيسية رغم كون النفط مورداً طبيعياً ناضباً، علاوة على التوجه العالمي للاستغناء عن النفط والتوجه للطاقة البديلة، وعلى الرغم من أن جميع خطط التنمية وبرامج الاستثمار استهدفت خلال العقود السابقة تقليل الاعتماد على النفط والبحث عن مصادر بديلة لتنويع مصادر الدخل، إلا أنه لم يتحقق أي من ذلك، وما زال الاقتصاد الليبي يعد واحدا من أقل الاقتصادات تنوعاً في العالم، وتطرقت الرؤية الاستشرافية الليبية 2025 إلى المميزات الاقتصادية التي تتمتع بها ليبيا ويمكن الاستثمار فيها بنجاح من أجل تجاوز حالة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، ويأتي على رأسها الاستثمار في الأنشطة المرتبطة بالموقع الجغرافي، وجاء في هذه الرؤية أن ليبيا تشكل همزة وصل بين بلدان المغرب والمشرق العربي، وبين الدول الأفريقية وأوروبا، ويتخذ النشاط التجاري الخدمي عدة أشكال يكمل بعضها البعض، أهمها مناطق التجارة الحرة، حيث الموقع الجغرافي والأرض المنبسطة اللازمة لإقامة مثل هذه المناطق، ويؤكد جدوى هذا التوجه المؤشرات الأولية التي تبينت من المنطقة الحرة مصراتة، ثم تجارة العبور، والتي يتوقف ازدهارها على الطاقة الاستيعابية للمطارات ومدى توفر أساليب وأدوات المناولة والتجهيز والتغليف، إضافة إلى المخازن والمبردات والعمالة المدربة، كما تطرقت الرؤية في هذا الصدد إلى أهمية تنمية وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وصناعة الكيماويات النفطية، وتنمية الثروة البحرية، والاستثمار في المخزون الهائل للغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلا أن هذه الرؤية أجحفت دور الموانئ البحرية كمصدر بديل للدخل، ولو تساءلنا: ما الأهمية التي تشكلها الموانئ؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بها؟ ولماذا هذا الاختلاف الذي نلاحظه في تركيبة الموانئ بين دولة وأخرى؟ لوجدنا أن الإجابة تكمن في النقاط الآتية:
● الموانئ ببساطة تعد منفذاً للدولة على أسواق العالم، حيث يتم مبادلة السلع والمنتجات مع المجتمعات الأخرى الأمر الذي ينمي ويطور العلاقات التجارية مع بقية الدول.
● الميناء مصدر جيد لخلق فرص عمل متنوعة، تستوعب كل التخصصات المتاحة في المنطقة، وليس ما يتعلق فقط بالمهن المطلوبة بالميناء.
● الميناء من مصادر الحصول على العملات الأجنبية مقابل رسوم الموانئ، كالقطر والإرشاد، والخدمات التي تقدم للسفن.
● تلعب الموانئ البحرية دوراً حاسماً في نمو اقتصاد الدول، حيث أصبحت خدمة النقل البحري أحد العناصر المؤثرة في القرارات الاقتصادية للدول، ومؤشرا للقدرة التنافسية على المستوى المحلي والدولي، ودلالة لمعدلات النمو الاقتصادي.
● تبرز أهمية الميناء في تسهيل نقل الصادرات والواردات الوطنية، وتنشيط حركة التجارة المحلية والإقليمية، ومواكبة متغيرات العولمة والنمو الاقتصادي العالمي، والاستقلال السياسي، وهذا لا يتحقق إلا من خلال موانئ وطنية حديثة، مزودة بأحدث الآلات والمعدات والأدوات الفنية.
● تزيد الموانئ من معدل التقدم الاقتصادي، الذي يجب أن تسير عليه الدول وتخطو نحو الأمام بخطوات ثابتة، لتحقيق الاستقرار والأمان لشعوبها، وتعطي الفرص والحوافز لدخول السوق العالمية، لتبادل التجارة بعدد كبير بين الدول، وبدون وسطاء نقل تزيد من التكاليف.
● تبرز أهمية الميناء، في أن 83% من التجارة العالمية تنقل عن طريق البحر، ليس فقط بالنسبة لتجارة زيت البترول، ولكن أيضاً بالنسبة لتجارة البضائع الجافة، والحاويات، فقد زاد حجمها بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة، وكل هذه الكميات من البضائع المنقولة عن طريق البحر تمر خلال الموانئ مرتين، المرة الأولى عند الشحن في ميناء الشحن، والمرة الثانية عند التفريغ في ميناء التفريغ.
● تعد الموانئ العمود الفقري للتجارة الخارجية للدول، كما تلعب دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية وزيادة الدخل القومي، وأصبح عدد الموانئ ومدى كفاءتها وحجم الصادرات والواردات بها أحد المؤشرات الأساسية للحكم على مدى قوة وازدهار اقتصاد الدولة.
ورغم كل ذلك إلا أن الدولة الليبية ما زالت تعتمد اعتماداً كلياً على النفط كمصدر وحيد للدخل، رغم موقعها المميز، وأغفلت تطوير الموانئ التي تعاني تهالك أصولها وتدني خدماتها، ناهيك عن التحديات الفنية في أغلب الموانئ الليبية، حيث تفتقر للمعايير الإنشائية الحديثة والتي تنطبق عليها الشروط والمواصفات المطلوبة من قبل شركات الشحن لخدمة السفن الضخمة ذات الغاطس العميق والسطح العريض، وبالتالي أصبحت هناك حاجة ملحة إلى تطوير أحد الموانئ الليبية ليكون ميناءً لوجستياً قادراً على التعامل مع الأحجام المختلفة من هذه السفن وأن يتمتع بالكفاءة والفاعلية العالية وتكنولوجيا المعلومات وأن يطبق الفكر اللوجستي في العملية الإنتاجية والتشغيلية بالميناء لجذب التجارة العالمية، وليكون مصدر دخل بديلاً عن النفط للدولة الليبية، فالميناء اللوجستي يعتبر في الوقت الحاضر من أهم المرافق التي تعتمد عليها الدول المتقدمة في تنويع مصادر الدخل، وأفضل مثال على ذلك ميناء سنغافورة، فميناء سنغافورة هو الدولة والدولة هي ميناء سنغافورة.