ذكريات اليوم السابع وانتصار الإرادة الوطنية
الجزء الثاني: التغلب على التحديات التشغيلية
سأوضح هنا بعض الأحداث والتحديات التشغيلية التي تغلبنا عليها خلال تلك المواجهة المصيرية الصعبة ولعل أبرزها:
ضرورة الإصرار على استمرارية إنتاج وضخ النفط بالرغم من تخفيض الإنتاج اليومي من حوالي 300 ألف برميل إلى أقل من 15 ألف برميل يوميا كان العامل الأساسي في مواصلة الضخ وعدم الإيقاف مما مكننا من إفشال تصريحات «البي بي» في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى بأن ليبيا سوف تمتلك أطول شمعة في التاريخ بطول 513 كم، أي بطول خط أنابيب حقل السرير/ ميناء التصدير بطبرق، وهذا إذا حصل إيقاف الضخ فإنه من المؤكد أن تكون نتيجة حتمية ما جاء في الإعلام البريطاني من تأكيدات! ولكن تصدير كميات محدودة من النفط إلى دول المنظومة الاشتراكية وإلى جمهورية مصر العربية مع خفض معدل الإنتاج اليومي من النفط قد ساهم إيجابيا في عدم إيقاف الضخ، وبالتالي دحض تأكيداتهم بامتلاك ليبيا أطول شمعة في التاريخ.
سياسة كسر العظم وقوة الإرادة والتحدي، ومن تكون له الغلبة في آخر المطاف، فشركة «البي بي» تخشى نفاد مخزونها من النفط وسوف تكون في أشد الحاجة إلى نفط خام السرير لمصافيها المعيرة مسبقا على الكثافة النوعية لخام السرير لكي تتجنب إيقاف أعمال التكرير بالمصفاة أو إعادة معايرة المصفاة والتي تكلف الكثير من الأموال لمطابقة نفط خام آخر لزوم المصفاة، وبالمقابل فإن شركة الخليج العربي في حاجة ماسة لتسويق خام السرير لتجنب إيقاف إنتاج وضخ النفط، أي كلا الطرفين يواجه مشكلة كبيرة وحتما ستكون الغلبة لمن يستطيع المناورة والتحمل أكثر، وهذا ما حصل وكانت الغلبة لشركة الخليج العربي حيث بعثت «البي بي» المراسيل والوسطاء بطرق غير مباشرة للحصول على خام السرير لزوم تشغيل المصافي خاصتها حتى وصل بها الحال إلى محاولة ترتيب اجتماع مع رئيس مجلس الإدارة شركة الخليج أثناء زيارته لموسكو في خطوة للوصول إلى صيغة اتفاق للحصول على نفط خام السرير ولكن محاولتهم باءت بالفشل لأن رئيس مجلس الإدارة اعتذر عن المقابلة.
ولعله من الجدير أن أذكر هذه الحادثة التي حصلت حيث قامت شركة نلسون بنكر هانت الشريك الأمريكي في الامتياز السالف الذكر بإرسال 64 خبير نفط أمريكيا للمساعدة والمساهمة في تجنب عملية إيقاف الضخ، فقد تم في آخر لحظة إبلاغ إدارة شركة الخليج بهذا الإجراء المرحب به في أول الأمر وعند وصولهم إلى بنغازي تم تحويلهم فورا إلى حقل السرير، لكن وبعد صدور الجرائد والصحف البريطانية بخبر وعناوين خبيثة تعلن بأن القذافي لم يفعل شيئا بخصوص قرار التأميم سوى أنه خلع القبعة البريطانية وارتدى القبعة الأمريكية، إثر هذا الخبر جاء رد مجلس إدارة شركة الخليج فورا بإعادة جميع الخبراء إلى أمريكا وذلك ثاني يوم وصولهم حقل السرير، بالرغم من أهمية وتوقيت وفاعلية والحاجة الماسة الشديدة لهؤلاء الخبراء إلا أن كرامة الوطن ومواطنيه أهم وأكبر بكثير من هذا الدعم، والرد العملي وإخراس ادعاء المزاعم البريطانية الخبيثة.
هذا ما كان يحدث لولا جهد وإصرار الليبيين وانتماؤهم وإخلاصهم لوطنهم ولما كان هذا النجاح المستمر لشركة الخليج العربي منذ إنشائها ولأكثر من نصف قرن وحتى الآن، لهو أكبر دليل على الإرادة الوطنية إذا تكاتفت الجهود وتوفرت النية والانتماء الوطني الصادق.
أخيرا هناك العديد من المفارقات والأحداث «والأفشات» السارة والمحزنة التي حدثت معي ومع بعض الزملاء بالشركة خلال الأيام والأشهر الأولى من تاريخ قرار التأميم، سوف أنشره في أعداد القادمة إذا سمحت الظروف وكان في العمر بقية.
Be the first to comment